الحرب- صراع مدمر، أطماع سياسية، وتهديد عالمي متزايد

المؤلف: صدقة يحيى فاضل10.26.2025
الحرب- صراع مدمر، أطماع سياسية، وتهديد عالمي متزايد

الحرب، صراع موغل في القدم يلازم المجتمعات البشرية منذ نشأتها، هي بمثابة معركة ضروس، قوامها المواجهة المادية، والتدمير الشامل، تهدف إلى إزهاق الأرواح وإلحاق العاهات، وتحطيم الأسلحة، والمرافق، والممتلكات، أو الاستيلاء عليها عنوة. ولا تقتصر فظائعها على الجنود المحاربين فحسب، بل غالباً ما تطال الأبرياء العزل من المدنيين المسالمين. وهي أيضاً معركة قانونية، قد تسفر عن إبرام معاهدات واتفاقيات مستجدة بين أطرافها المتنازعة، وإلغاء اتفاقيات سابقة. تمثل السياسة والدبلوماسية -في جوهرهما- مجابهة للخصوم والمنافسين، في اللقاءات والمؤتمرات وعلى موائد المفاوضات. بينما تنطوي الحرب على: ملاقاة الخصوم والأعداء في ميادين القتال، باستخدام القوات المسلحة بكل ما أوتيت من قوة. والحرب أيضاً تعني: "ممارسة العنف المسلح المنظم، بين الجماعات الإنسانية المختلفة. وهي الأداة الأكثر قسوة التي تلجأ إليها الدولة لبلوغ غاياتها وأهدافها المرسومة". وهي أيضاً، وكما قال (كلاوزفتز)، العالم السياسي الأمريكي المتعمق في دراسة الحروب وتحليلها، "امتداد للسياسة، ولكن بوسائل أخرى مغايرة". والحرب تعد كارثة محققة، غالباً ما تنتهي بتضرر جميع أطرافها، بشكل أو بآخر. وفي بعض الأحيان، لا يوجد "منتصر" حقيقي في الحرب، بل يكون جميع الأطراف خاسرين ومنهزمين. ومما لا شك فيه أن الأضرار تكون جسيمة للغاية، لا سيما إذا ما استخدمت في الحروب أسلحة فتاكة، أو أسلحة دمار شامل ذات قدرات تدميرية هائلة. وتجدر الإشارة إلى أن ما يحدث في فلسطين في الوقت الراهن، هو عدوان سافر وحرب إجرامية صهيونية غاشمة على الفلسطينيين الأبرياء في غزة، وغيرها من المناطق المحتلة. إنها حرب غير متكافئة من طرف واحد، هو الكيان الصهيوني المارق، بل هي في حقيقتها عملية إبادة جماعية، كما تشير إلى ذلك الأوساط الدولية المعنية. ومن المغالطات القول إنها حرب بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين؛ لأن ما يقوم به الفلسطينيون هو مقاومة باسلة للاحتلال الصهيوني الغاشم لأرضهم. وذلك حق مشروع ومكفول، بموجب جميع القوانين والأعراف الدولية، التي لا تمنح القوة المحتلة، ما يسمى بـ"حق الدفاع عن النفس". إن أسباب الحرب هي -بصورة أو بأخرى- ذاتها أسباب الصراعات الدولية المتعددة؛ فأي صراع دولي قد يتفاقم، ويتصاعد تدريجياً، ليصل إلى ذروته في الخلاف بين أطرافه، وهي مرحلة الأزمة الحرجة. وهذا قد يعني وصوله -عند هذه النقطة بالتحديد- إلى حافة الهاوية، أي إلى درجة الحرب الشاملة، وتبادل إطلاق النار المكثف. ومن أبرز الأهداف التي تسعى الحرب إلى تحقيقها: - سعي الأطراف المتنازعة إلى تحقيق أهدافها قسراً، لا سيما الطرف البادئ بالعدوان، بعد فشله في تحقيقها بالطرق السلمية المتاحة. - محاولة الأطراف المتورطة في الحرب كسب التأييد والدعم، على الصعيدين الداخلي والخارجي، للحرب التي تشنها، أو تعتزم شنها في المستقبل القريب. - محاولة إقناع العدو اللدود بأن الرضوخ لمطالب الطرف البادئ بالحرب، هو الخيار الأمثل والأقل تكلفة، مقارنة بالاستمرار في الحرب المدمرة. - سعي الأطراف المتحاربة للخروج من أتون الحرب بأقل الخسائر الممكنة، أو تحقيق النصر المنشود. تمثل الحرب الملاذ الأخير والأكثر خطورة الذي تلجأ إليه الدول لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. وكما هو معلوم للجميع، يشهد العلم والتقنية تطوراً مذهلاً وسريعاً، يوماً بعد يوم. وينعكس ذلك بشكل مباشر على تطور الأسلحة والعتاد الحربي، وفنون القتال والاستراتيجيات العسكرية، لا سيما فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل ذات القدرات التدميرية الهائلة. وكل ذلك يجعل الحروب الدولية أكثر فتكاً وخطورة، مع مرور الوقت. ومنذ اكتشاف واستخدام وتطوير أسلحة الدمار الشامل، أصبحت الحروب تمثل تهديداً وجودياً للبشرية جمعاء، ودماراً شاملاً للأحياء، وممتلكاتهم، ولكوكب الأرض وسكانه، على وجه العموم. لقد شهد القرن العشرون اكتشاف واستخدام وتطوير هذه الأسلحة الفتاكة؛ التي لم يستخدم منها سوى قنبلتان صغيرتان حتى الآن، وذلك في نهاية عام 1945م المأساوي. وشهد هذا القرن أيضاً أسوأ وأخطر حربين شهدهما التاريخ الإنساني، وهما: الحربان العالميتان الأولى والثانية. اندلعت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليو 1914م، ووضعت أوزارها في 11 نوفمبر 1918م. شارك في هذه الحرب ما يقرب من 100 مليون شخص، من 30 دولة مختلفة. وكان طرفاها الرئيسيان هما: "قوات الحلفاء"، التي ضمت كلاً من: فرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وإيطاليا، واليابان، وأمريكا. و"القوى المركزية"، التي تألفت من: ألمانيا، والنمسا، والمجر، وتركيا. وقد أدت هذه الحرب إلى مقتل حوالي ثمانية ملايين شخص، وإصابة ملايين آخرين بجروح خطيرة، فضلاً عن الخسائر المادية الفادحة التي لا تقدر بثمن. أما الحرب العالمية الثانية، فقد اندلعت في 1 سبتمبر 1939م، واستمرت لمدة ست سنوات عصيبة، لتنتهي في 2 سبتمبر 1945م. وكان طرفاها الرئيسيان هما: "دول الحلفاء" (فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، والاتحاد السوفييتي، والصين). و"دول المحور" (ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). وخلفت هذه الحرب وراءها حوالي 70 مليون قتيل، بالإضافة إلى ملايين الجرحى والمصابين، والدمار الشامل الذي لحق بالمدن والبلدان بأكملها. وفي 6 أغسطس 1945م، ألقت أمريكا أول قنبلة نووية على مدينة هيروشيما اليابانية. كان وزن القنبلة 20 كيلوطناً فقط. وأسفرت عن مقتل 75 ألف شخص على الفور، وجرح أكثر من 70 ألف آخرين. إضافة إلى تدمير المدينة بشكل شبه كامل. وفي نهاية المطاف، تم تقدير عدد القتلى، سواء الفوريين أو اللاحقين، بحوالي 200 ألف شخص. وفي 8 أغسطس 1945م، ألقت أمريكا القنبلة النووية الثانية على مدينة ناجازاكي اليابانية. كان وزن القنبلة 20 كيلو طناً أيضاً. وأدت إلى مقتل حوالي 40 ألف شخص على الفور، وجرح أكثر من 25 ألف آخرين في غضون دقيقتين فقط. وبقيت الآثار الإشعاعية القاتلة تفتك بالآلاف وتمرضهم، حتى يومنا هذا. لقد كان الهجوم النووي الأمريكي على اليابان هو الأول والوحيد من نوعه حتى الآن. واليوم، وبعد مرور 76 عاماً على ذلك الكابوس المروع، ننظر حولنا بتمعن، فنجد تطوراً هائلاً في القدرة التدميرية للأسلحة النووية، مقارنة بتلك القدرة المتواضعة قبل حوالي ثلاثة أرباع القرن. كما نلاحظ أن عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية في ازدياد مستمر (حيث بلغ 9 دول حتى تاريخه). ونجد أيضاً توترات وصراعات دولية لا حصر لها تلوح في الأفق. ونشهد صراعاً محتدماً بين القوى العظمى والكبرى، على بسط النفوذ والسيطرة على العالم. وإذا ما اندلعت حرب عالمية ثالثة -لا قدر الله- واستخدمت فيها هذه الأسلحة المدمرة (كما هو متوقع)، وبغض النظر عن أطراف هذه الحرب، فإن دماراً شاملاً يصعب وصفه أو تصوره، سواء جزئياً أو كلياً، سيحل بكوكب الأرض بأكمله، وسيقضي على كل ما عليها من كائنات حية ونباتات ومرافق ومنشآت. وربما تعود الحياة على سطح الكرة الأرضية إلى ما كانت عليه قبل قرون مديدة. وسوف نتناول موضوع الحرب العالمية الثالثة المحتملة بمزيد من التفصيل في المقال القادم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة